القنديل

د. شاكر الحاج مخلف
                                       

الشخصيات

الخليفة سليمان بن عبد الملك / رجاء بن حيوة/ هشام بن عبد الملك / عمر بن عبد العزيز/ مزاحم  (تابع الخليفة عمر بن عبد العزيز ) / العباس بن الوليد / روح بن الوليد بن عبد الملك / عنبسة بن سعيد بن العاص / الشاعر نصيب / أيمن بن عبد الله / الشاعر الأحوص / رجال لهم مظالم / شعراء الدولة الأموية/ شخصيات أخرى .
1-  قصر الخليفة سليمان بن عبد الملك
مقطع من القصر الفخم ، يبدو في المقطع حجرة نوم الخليفة وردهة واسعة ملحقة بها وثمة نافورة صغيرة تتوسط المكان ، ستائر منفرجة قليلاً المكان وقد أنير بمصابيح تكشف عن تفاصيل كثيرة ، الخليفة سليمان بن عبد الملك يبدو شاحباً هو في ساعاته الأخيرة يتحدث بصوت واهن ضعيف متقطع لمستشاره رجاء بن حيوة الذي يقف بجوار سرير الخليفة مترقبا"...
سليمان : لم تجبني..؟!
رجاء بن حيوة : ماذا تريدني أن أقول يا مولاي ..؟
سليمان :سألتك الرأي فيمن يخلف سليمان بن عبد الملك ..؟ لماذا تلتزم الصمت .. ؟ أجبني ..
رجاء بن حيوة : " متردداً " مولاي ..
سليمان : "  عاتبا  " لقد عهدتك مخلصاً في المشورة والرأي ..!
رجاء بن حيوة : " حاسماً " إلا هذا  الأمر ..
سليمان : ماذا تريد أن تقول ..؟
رجاء بن حيوة : الرأي فيه لك وحدك .
" تنتابه نوبة سعال قوية، وعندما تهدأ تلك النوبة ، ينظر نحو مستشاره بذات الضعف  ثم يمسك بيده الواهنة يد رجاء بن حيوة أمراً "
سليمان : أعطني القلم والقرطاس .." أبن حيوة يتحرك مسرعاً نحو طاولة غير بعيدة ويلتقط من فوق ظهرها القلم والقرطاس ، ثم يعود نحو الخليفة "
رجاء بن حيوة : " وهو يدفع بالقلم والقرطاس إلى الخليفة " خذ ، فدتك روحي .
 
سليمان : " ممسكا ً بالقلم ، وبصوت واهن لكنه واضح " لأعقدن عقداً لا يكون فيه للشيطان نصيب .
رجاء بن حيوة : على بركة الله .
سليمان : " وهو ينطق ما يكتب " بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من عبد الله – سليمان بن عبد الملك ؛ لعمر بن عبد العزيز –" يسعل لمرة واحدة " أني وليتك الخلافة من بعدي .
" يسقط القلم من بين أصابعه وكذلك القرطاس وتتراخى يده في حركة أخيرة نحو الأرض ، يلتقط رجاء بن حيوة القرطاس ثم ينشج ببكاء ضعيف متقطع "
2-  ساحة المسجد الأموي .
حشد كبير من الناس الذين تجمعوا في باحة المسجد الأموي أصواتهم لا تهدأ إلا عندما يرتقي رجاء بن حيوة المنبر وينظر نحوهم ملياً ثم يخطب فيهم "
رجاء بن حيوة : أيها الناس ... هذا كتاب من سليمان بن عبد الملك  ، كتاب مختوم كما ترون ، بايعوا على ما أمر به ومن سمي فيه .
" يشق الصفوف هشام بن عبد الملك محتجاً وقد بيت أمراً "
هشام بن عبد الملك : نسمع ونطيع  أن كان الكتاب يحمل اسم رجلاً من بني عبد الملك .
" تتصاعد الأصوات بين احتجاج ومعارضة وقد صار الحشد أقرب إلى حالة الانقسام ، رجاء بن حيوة مغتاظاً من هشام بن عبد الملك ومهدداً إياه "
رجاء بن حيوة : لم يجف بعد تراب قبر الخليفة ، أنت تثير فتنة كبيرة ، وتعارض وصيته ، فقد أوصى أن يفض الكتاب في المسجد وبحضور المسلمين .
هشام بن عبد الملك : " منفلتاً ومعترضاً بعنجهية واضحة " لا نطيع أمراً دبر في الظلام .
" تتداخل الأصوات المتعارضة ويزداد الهرج  لكن بن حيوة يصرخ في الناس فيستعيد بذلك الهدوء "
رجاء بن حيوة : أيها الناس ، يا أتباع الخليفة ، سأفض الكتاب " الناس يتدافعون نحو المنبر ، رجاء بن حيوة بعد أن فض الكتاب ويقرأ بصوت قوي  "
بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من عبد الله سليمان بن عبد الملك لعمر بن عبد العزيز ، أني وليتك الخلافة من بعدي ، أيها الناس أسمعوا وأطيعوا له واتقوا الله ولا تختلفوا فيطمع فيكم ..
هشام بن عبد الملك : " محتجا بقوة وهو يسحب سيفه من غمده " لن نبايع عمر بن عبد العزيز ..
" الناس ينظرون إلى عمر بن عبد العزيز الذي انزوى بعيداً ، وتتصاعد أصوات متداخلة للذين لا يريدون مبايعة عمر بن عبد العزيز ، هم يهتفون بغضب – لن نبايع "
رجاء بن حيوة : أنها الفتنة .. " يتقدم نحو هشام بن عبد الملك مهدداً " إني حذرتك أمام جموع المسلمين ، إياك أن تتمادى سأضرب عنقك .
هشام بن عبد الملك : إلا تسمع ..؟ "  لا يريدون مبايعة عمر بن عبد العزيز يهتفون "
رجاء بن حيوة : أنك تشق عصا الطاعة وتخرج على رأي أمير المؤمنين وتريد بالإسلام شراً " يستل سيفه متحفزاً ، هشام بن عبد الملك يتراجع خائفاً عيناه تنظران إلى السيف " أذهب وبايع الخليفة عمر بن عبد العزيز .
" هشام بن عبد الملك يبدو مغتاظاً ومهزوماً وقد هدأت الأصوات والنفوس الغاضبة ، عيون الجميع تتحول نحو الخليفة الجديد "
رجاء بن حيوة : " لعمر بن عبد العزيز " تقدم أيها الخليفة وخذ البيعة من المسلمين في هذا المسجد ومن يخالف سيكون سيفي أسرع إلى رقبته .
" عمر بن عبد العزيز مقترباً من رجاء بن حيوة الذي يغرس رأس سيفه في الأرض ويتكأ عليه ، وعندما يقف إلى جواره يهمس له "
عمر بن عبد العزيز : " معاتبا " ماذا صنعت يابن حيوة ..؟
رجاء بن حيوة :الله هو الذي صنع الخير لنا وللمسلمين جميعاً.
" عمر بن عبد العزيز ينظر لحظة إلى وجوه الناس المتحلقة فيه "
عمر بن عبد العزيز : أيها الناس أني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه ولا طلب له ولا مشورة من المسلمين وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم ...
" تظهر من جديد حالة الفوضى  وتتداخل الأصوات المتعارضة وكأنها أمواج بحر تتلاطم ، هشام بن عبد الملك ومعه بعض الرجال يصرخون بغضب : لن نبايع ....
، أبن حيوة من مكانه وبرباطة جأش يتابع الناس "
رجل 1 : هو لا يريد الخلافة ..!
رجل 2 : أنكم تخرقون وصية الخليفة ..
رجل 3 : ابتعدوا عن رياح التفرقة ..
رجل 4 : ماذا تريدون ..؟
" الأصوات تتداخل وتتعارض والجميع يصرخ ولا أحد يعرف المعنى الكامن في ذلك الصراخ
المتصاعد ، يحسم  كل تلك الفوضى صوت رجل يشق طريقه من بين الصفوف الغاضبة "
الرجل : لقد اخترناك يا عمر بن عبد العزيز ورضينا بك أميراً علينا فتول أمرنا باليمن والبركة .
" هشام بن عبد الملك يصرخ محتجاً وهو يقود ثلة الرجال "
هشام : لن نبايع بن عبد العزيز ... لن نبايع ..
الرجل : أترك عنك غضب الجاهلية ..
" أصوات تتعارض بشكل أكبر ، هشام ومعه أنصاره وهم يقتربون من مكان الخليفة الجديد ، رجاء بن حيوة على وجهه علامات خوف ممزوجة بالتحدي ، يرفع سيفه ويضعه على رقبة هشام بن عبد الملك الذي يجتاحه رعب كبير أصحابه يتراجعون ، الناس يتابعون ما يجري "
رجاء بن حيوة : " لهشام أمراً " تقدم وبايع ..
"يدفع به نحو المكان الذي يقف به عمر بن عبد العزيز " تقدم وبايع خليفة المسلمين ..
" هشام ينظر إليه نظرات غضب كبير ولكنه يرضخ لطلبه "
 هشام :  سأفعل يا بن حيوة ولكن لن أنسى لك ذلك ما حييت " ثم يلتفت نحو الخليفة وبذات نبرة العداء " أنا لله وأنا إليه راجعون ..
عمر بن عبد العزيز : على ماذا يا هشام ..؟
هشام بن عبد الملك : حين صار الأمر إليك وأصبحت خليفة على ولد عبد الملك ..
عمر بن عبد العزيز :" رجاء بن حيوة يبعد السيف عن رقبة هشام بن عبد الملك " أنا لله وأنا إليه راجعون يا هشام حين صار الأمر إلي مع كراهيتي له .
أصوات الناس تتعالى مرحبة بتلك النهاية ، يتوارى هشام بن عبد الملك ومن معه من أصحابه ، أبن حيوة ينظر إلى الخليفة ثم إلى السماء "
رجاء بن حيوة : الحمد للله ..
3-  بيت رجاء بن حيوة
ابن حيوة وقد جلس بوضع من يؤدي فريضة الصلاة وقد فتح كتاب الله ويرتل منه ، في الخارج صوت جلبة قوية يتضح فيما بعد ونسمع صراخاً غاضباً لهشام بن عبد الملك ممزوجاً بالوعيد "
رجاء بن حيوة : " مرتلاً " الله نور السموات والأرض مثله كمشكاة فيها مصباح ،
المصباح في زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار " يدخل هشام بن عبد الملك مقتحماً المكان ، شاهراً سيفه ، رجاء بن حيوة غير مكترث به يواصل قراءة القرآن "
هشام بن عبد الملك : أنظر إلى سيفي الذي سأ قطعك به ..
رجاء بن حيوة : " مواصلاً الترتيل " نور على نور ، يهدي الله لنوره من يشاء ..
هشام بن عبد الملك : تقرأ القرآن وأنت تنسج خيوط المؤامرة ضدنا ..؟!
رجاء بن حيوة : صدق الله العظيم " يغلق كتاب الله ، ثم ينظر إلى هشام " ماذا تريد يابن عبد الملك ..؟ تدخل داري كالثور الهائج ..ماذا تريد ..؟ إلا تحترم كتاب الله ..؟
هشام بن عبد الملك : هكذا وفي غفلة من رجال أمية تصبح كل مقاليد أمور الدولة بيد الدخلاء ..؟!
رجاء بن حيوة : أغمد سيفك يابن هشام فأنا مستشار خليفة المسلمين ومستودع أسراره ولست كما تصف .
هشام بن عبد الملك : محتجاً بقوة " وماذا يحصل الآن في دولة الأمويين ..؟
رجاء بن حيوة : الخليفة لا يريد أن يضع مقاليد الخلافة بأيد غير أمينة ، أنها مسئولية جسيمة وأنت تعرف الأسباب ..
هشام بن عبد الملك : أنت وأمثالك أوغر صدر الخليفة ضدي بالأكاذيب ..
رجاء بن حيوة : الخليفة يعرف وكذلك بنوّ أمية يعرفون صنيع أفعالك ، وسيفك هذا لن يخيفني ولن تجعلني أتزحزح قيد أنملة عن الأرض التي أقف عليها ، أخرج من هنا قبل أن أنادي الجند وأمرهم بوضعك في السجن .
هشام بن عبد الملك : " يسحب سيفه مهزوماً ولكنه يداري ذلك بوعيد جديد " ستدفع ثمن إهانة بني أمية .
رجاء بن حيوة : والله أني أرى مجيء عمر بن عبد العزيز للخلافة هو إكرام لبني أمية وليس كما تدعي ، أبن عبد العزيز أراه كالبدر يشرق في ظلام ليل دامس ..
4-  دار الخليفة
الخليفة عمر بن عبد العزيز يكتب على ضوء شمعة في دار تكشف مفرداتها عن الزهد والتواضع الكبير ، مزاحم تابعه ينظر إليه ، ضجيج كبير في الخارج ، الخليفة يتوقف عن الكتابة وينظر متسائلاً إلى تابعه مزاحم .
عمر بن عبد العزيز : ما هذه الضجة يا مزاحم ..؟
مزاحم : ينظر من نافذة قريبة منه إلى الخارج " أنهم سواس الخليفة ..
عمر بن عبد العزيز : ماذا يريدون ..؟
مزاحم : لقد جاءوا بالخيل والبغال ومع كل دابة سائسها الخاص .
عمر بن عبد العزيز : " مستغرباً " ما هذا يا مزاحم ..؟!!
مزاحم : كما أقول يا خليفة المسلمين ..
عمر بن عبد العزيز : " يتوقف عن الكتابة " ألم أقل من قبل أن دابتي هي أنفع لي وما أنا بحاجة إلى تلك المراكب ..
مزاحم : وماذا تريدني أن أفعل ..؟
عمر بن عبد العزيز : نحوهّا عني ..
مزاحم : أنهم يحتاجون إلى علفها ويسألون رزق خدمها ..
عمر بن عبد العزيز : ولم تبقى حتى تعلف ..؟
مزاحم : وماذا نفعل بها يا خليفة المسلمين ..؟
عمر بن عبد العزيز : دع رجاء بن حيوة يشرف على إرسال تلك الدواب إلى أمصار الشام ليبيعها ويضع أثمانها في بيت المال ..
" مزاحم ينظر إليه متأملا كمن يراه للوهلة الأولى "
عمر بن عبد العزيز : وماذا بعد ..؟
مزاحم : خدمها ، ماذا نصنع بهم وهم ألوف الرجال الذين لا يحسنون عملاً غير ذلك ..؟
عمر بن عبد العزيز : " ينهض من مكانه ويتقدم نحو النافذة وينظر من خلالها تهدأ الأصوات ، ثم يعود مواجهاً مزاحم ، وبعد لحظة تفكير " أرسلوهم إلى الأمصار ليحصوا لنا كل مكفوف أو مقعد أو من به فالج أو علة مزمنة تحول بينه وبين القيام إلى الصلاة ، فنوزع هؤلاء الخدم عليهم .
مزاحم : وماذا عن صاحب الشرطة ..؟
 عمر بن عبد العزيز : وماذا يريد ..؟
مزاحم : لقد جاء بحربته لحراستك ومعه جنوده الذين يريدون أن يسيروا بين يديك بحرابهم في غدوك ورواحك كما اعتادوا مع الخلفاء من قبلك ..
عمر بن عبد العزيز : إنما أنا رجل من المسلمين يصيبني ما يصيبهم ، قل لهم أن بيّ عنهم غنى.
مزاحم : " مستغرباً " ماذا تقول يامولاي ..؟
عمر بن عبد العزيز : كفانا بالقدر حاجزاً وبالأجل حارساً ، أخرج إليهم وناد في الناس بأن من كانت له مظلمة فليرفعها .
مزاحم : " خائفاً " بماذا يفكر مولاي الخليفة ..؟
عمر بن عبد العزيز : أن الخلفاء من قبلي كانوا قد أعطونا عطايا ماكان ينبغي لنا أن نأخذها ، وما كان لهم أن يعطوها لنا ..
مزاحم : وماذا يأمر مولاي ..؟
عمر بن عبد العزيز : أني قد رددت هذه العطايا وبدأت بنفسي وأهلي .. أكتب يا مزاحم .. " مزاحم يبدأ الكتابة "  أني عمر بن عبد العزيز قد رددت إلى بيت المال قطائعي في اليمامة والمكيدس وجبل الورس وفدك وأبقيت أرضي في السويداء فإنها مال حلال ولاشبهة فيه ، " يدفع له بخاتمه " وخذ هذا الخاتم قد أعطانيه الوليد من غير حقه مما جاء من أرض العرب ، رده إلى بيت المال ..
5-  زاوية في المسجد الأموي
بالقرب من المنبر الخليفة عمر بن عبد العزيز وحيدا متضرعاً إلى الله في خشوع تام ، بينما مزاحم يقف بعيداً يراقب المكان .
عمر بن عبد العزيز :اللهم اجعلني شكوراً واجعلني صبوراً واجعلني في عيني صغيراً وفي أعين الناس كبيراً ، اللهم أني أسألك العفة والعافية في دنياي وديني وأهلي ومالي ، اللهم أعوذ بك من الفقر والكفر والفسوق والشقاق والنفاق ، لاإله إلا أنت الحليم الكريم ، سبحان الله رب العرش العظيم . " تعلو ضجة كبيرة خارج المسجد ، يتحفز مزاحم ويستل سيفه من غمده مترقباً ، بينما يهدر صوت هشام بن عبد الملك الغاضب "
هشام بن عبد الملك : ماذا يريد منا أبن عبد العزيز ..؟
العباس بن الوليد : لا ندري يا هشام بماذا يفكر ..؟
رجل من بني أمية : هو يسلك معنا سلوكاً أخر لم نعرفه في حكم الخلفاء الذين سبقوه .
" يدخل الرجال باحة المسجد ويقفون بعيداً عن مكان عمر بن عبد العزيز الذي يسجد للله في تلك اللحظة ، يتابعونه ولكن أحاديثهم المعترضة لا تتوقف ، مزاحم يقف في المساحة الفاصلة بينهم وبين الخليفة  "
العباس بن الوليد : " ينظر إلى الوجوه بغيض واضح " يحشرنا هكذا مع الرعاع من الناس وهو يعلم أننا أشراف بني أمية ..؟!
رجل من بني أمية : هذا هو العجب العجاب ..!
هشام بن عبد الملك : أن في قلبي ناراً لو خرجت قد تحرق الكون كله .
العباس بن الوليد : كفى أننا مكرهين على كونه خليفة يحكم فينا .
رجل من بني أمية : توقفوا عن الكلام الخليفة ينظر إلينا .
رجل أخر : " محذراً " هاهو قادم ..
" العيون تحلق في وجه الخليفة متابعة الألق والوقار والرهبة التي يثيرها شكل هيئته على بساطتها ، يلحق به مزاحم كما لو كان درعاً له ، عمر بن عبد العزيز وقد فرض وقاره على الجمع المعترض ، يتوقف لحظة متأملاً الوجوه "
عمر بن عبد العزيز : السلام عليكم ..
الجميع : وعليك السلام ..
عمر بن عبد العزيز : " بعد برهة تأمل وتفكير " لقد طلبت حضوركم في أمر هام ..
العباس بن الوليد : " من بين الرجال " ونحن هنا لنسمع ..
عمر بن عبد العزيز :" يطبق الصمت على المكان " يا بني مروان ، يا من حضر منكم وغاب ، أنكم قد أعطيتم حظاً وشرفاً وأموالاً وأني لأحسب شطر أموال هذه الأمة أو ثلثيها في أيديكم فأدوا ما في أيديكم من حقوق الناس ، ولا تلجئوني إلى ما أكره فأحملكم على ما تكرهون ..
هشام بن عبد الملك يهمس على جنب للعباس بن الوليد "
هشام بن عبد الملك : كلام تهديد ووعيد .. صار الأمر لا يحتمل .. !!
العباس بن الوليد : " مندفعا ومجاهراً برأيه المعارض منفرداً عن حلقة الناس " والله لا نخرج من أموالنا التي صارت إلينا من آبائنا فنفقر أبنائنا ونكفر آبائنا حتى تزايل رؤوسنا أجسادنا ، أنا والله لا نعيب آبائنا ولا نضع شرفنا .
عمر بن عبد العزيز : وأي عيب أعيب ممن عابه القرآن ، والله لولا أن تستعينوا علي بمن أطلب هذا الحق له لأ ضرعت خدودكم عاجلاً ، ولكني أخاف الفتنة ، ولئن أبقاني الله لأردن إلى كل ذي حق حقه إن شاء الله ..
مزاحم : " مقترباً من الخليفة " مولاي ..
عمر بن عبد العزيز : أفض يا مزاحم ..
مزاحم : أن قوماً من بني مروان قد كلفوني أن أبلغك عنهم رسالة .
عمر بن عبد العزيز : وماذا يريدون ..؟
مزاحم : يقولون : أن من كان قبلك من الخلفاء كان يعطينا ويصرف لنا مواضعنا ، وأن
أمير المؤمنين قد منعنا فماذا أقول لهم ..؟
عمر بن عبد العزيز :قل لهم : أني أخاف أن عصيت ربيّ عذاب يوم عظيم .
" يدخل المنظر رجاء بن حيوة "
رجاء بن حيوة : السلام على خليفة المسلمين ..
عمر بن عبد العزيز : وعليك السلام ..
رجاء بن حيوة : في باب المسجد يحتشد جمع من الناس يقولون أن لهم مظالم .. ماذا يأمر مولاي الخليفة ..؟
عمر بن عبد العزيز :" مفكراً لحظة ثم حازماً " ليدخل أصحاب المظالم وليبقى الجميع " ثم أمراً لمزاحم " يا مزاحم ..
مزاحم : مولاي ..
عمر بن عبد العزيز : أمسك سيفك جيداً ، فأني أرى رؤوساً يجب أن تطيح بها ..
مزاحم : أنا رهن إشارتك يا مولاي .." يدخل المنظر حشد كبير من الناس يبدو على هيئتهم العوز والفقر ،أنهم يهتفون "
جموع الناس  : الحق يا خليفة المسلمين ..
                 العدل يا حفيد الفاروق ....   "
عمر بن عبد العزيز : " وهو يتابع دخولهم بذهول كبير " كل هؤلاء الناس لهم مظالم عند بني أمية ..؟! .." يدور في المكان كمن أخترق جسده سيف " والله لن يرتفع سيفي إلا من أجل الحق وليقل بني أمية في عمر بن عبد العزيز ما يشاءون .. الويل من غضب الله .. آه ما أشد خجلي أمام الله .. " يشير بيده لأبن حيوة لكي يبدأ .."
" رجاء بن حيوة يشير إلى أحد الرجال من بين الجمع لكي يقف أمام الخليفة "
رجاء بن حيوة : تقدم أنت يا رجل وحدث الخليفة عن الظلم الذي تشكو منه ..
" الرجل الشاكي يغادر الجمع ويقف بمواجهة الخليفة ، هشام بن عبد الملك يهمس للرجل الذي يقف غير بعيد عنه "
هشام بن عبد الملك : يريد تحقير بني أمية بهؤلاء الرعاع ..
الرجل الشاكي :" للخليفة " أنا من أهل حمص .. جئت أسألك كتاب الله ..
عمر بن عبد العزيز : وفيما تسألني ..؟ أذكر حاجتك ولا تخشى جوراً منا ، كتاب الله حق أن يتبع ..
الرجل الشاكي :" ينظر إلى الجمع من بنو مروان ويسلط نظراته على العباس بن الوليد " أني أشكو إليك العباس بن الوليد بن عبد الملك .
عمر بن عبد العزيز : وماذا فعل العباس ...؟
الرجل الشاكي : أغتصب أرضي .                                  
عمر بن عبد العزيز : " للعباس " يا عباس بن الوليد ..
العباس بن الوليد : " مكرهاً " نعم يا مولاي ..
عمر بن عبد العزيز : " أمراً " قف بجوار خصمك ورد على ما يدعيه ..
الجموع من الناس تتحرك غاضبة نحو رجال أمية وهي تهتف :
جموع الناس : الحق يا عمر .. الموت لسارقي قوت الإنسان ..
رجال بني أمية يلوذون بعمر بن عبد العزيز خوفاً من غضب الناس ، عمر بن عبد العزيز
رافعاً يديه نحو السماء ، هشام بن عبد الملك يصرخ في الناس "
هشام بن عبد الملك : ابعدوا هؤلاء الرعاع عني ّ ..
عمر بن عبد العزيز : " يصرخ في رجال بني أمية " ابتعدوا أنتم عني ..
                        أني أرى مصابيح من النور تقودني .. ابتعدوا أيها الشياطين ..
" يتراجع رجال بني أمية وتدور الجموع الغاضبة حولهم كما لو كانت إعصارا ثم تعود تلك الجموع إلى مكانها الأول ويستمر هتافها "
جموع الناس : الموت لسارقي حقوق الرعية .
عمر بن عبد العزيز : " مولولاً كمن يهذي بسبب الحمى " الويل لك يا عمر تنام ملء جفونك والظلم ينشر شباكه حول أهداب العيون ..
العباس بن الوليد الذي يقف إلى جوار خصمه الرجل الشاكي يقول لبني أمية ": لقد صار يهذي كالمحموم .. أي خليفة هذا ..؟!
جموع الناس : الحق ، الحق يا عمر ...
عمر بن عبد العزيز وقد استفاق من تلك الحالة التي داهمته يسأل الرجل الشاكي : هل تقول الحق ..؟
الرجل الشاكي : نعم الحق أقول ..
العباس بن الوليد : " بغرور " لقد اعطانيها سلفك أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك وأعطاني بها سجلاً ..
عمر بن عبد العزيز : هل سمعت يا رجل كلام العباس بن الوليد ..؟
الرجل الشاكي : نعم ..
عمر بن عبد العزيز : وماذا تقول ..؟
جموع الناس : العدل يا حفيد الفاروق ...
الرجل الشاكي : أنا أسألك يا أمير المؤمنين كتاب الله لا سجل الوليد بن عبد الملك .
عمر بن عبد العزيز : خير ما قلت يا رجل .. كتاب الله أحق بأن يتبع من سجل الوليد بن عبد الملك .." أمراً " يا عباس ..
العباس بن الوليد : نعم يا أمير المؤمنين ..
عمر بن عبد العزيز : أردد على الرجل ضيعته ..
العباس بن الوليد : " بشيء من الرفض " وسجل الوليد بن عبد الملك ..؟
عمر بن عبد العزيز : " غاضباً " قلت لك أردد على الرجل ضيعته فقد سألني كتاب الله وهو أولى من سجل أبيك .. أذهب مع الرجل فأردد عليه ما أخذتموه منه بغير حق .
جموع الناس تموج وتدور حول عمر بن عبد العزيز وهي تهتف :
- يحيا العدل ....
رجاء بن حيوة : " هاتفا " رجل أخر من حمص له مظلمة .
عمر بن عبد العزيز : ليتقدم ويقول ما لديه .
الرجل الشاكي 2 : " الرجل يقف بين يدي الخليفة " السلام على أمير المؤمنين .
عمر بن عبد العزيز : وعليك السلام ... قل ما لديك ..
الرجل الشاكي 2 : يا أمير المؤمنين أن لنا حوانيت في حمص أخذها الوليد بن عبد الملك وأعطاها لأبنه روّح .
عمر بن عبد العزيز : تقدم يا رّوح بن عبد الملك وقف بجوار خصمك ورد عليه فيما يدعيه
روح بن عبد الملك : وهو يقف بجوار الرجل الشاكي ، محتجاً بغضب " أنه يكذب .
الرجل الشاكي2 : أنا أقول الحق ، كثير من الناس يعرف هذا ، إنما يتجاهل الحق من أغتصبه . " يتصاعد هتاف جموع الناس "
جموع الناس : الحق يا عمر ...
عمر بن عبد العزيز :" لروح بن عبد الملك " لم لا ترد على هؤلاء الناس حوانيتهم .." روح يلوذ بالصمت " أخرج مع الرجل وخلها له .
روح : " بامتعاض " أمرك يا مولاي .. " يغادران المكان إلى الخارج "
يتحرك عمر بن عبد العزيز على وقع هتاف الناس الذين يرددون ذات الهتاف السابق ، يقف بمواجهة رجال بني أمية .
عمر بن عبد العزيز : أقسمت بالله أن أستخرج الحق من محاجر عيونكم فإياكم والمماطلة .
" ضجة وجلبة في الخارج ، ثم يعود الرجل الشاكي مذعورا وهو يصرخ "
الرجل الشاكي 2 : مولاي ..
عمر بن عبد العزيز : ماذا أيها الرجل ..؟
الرجل الشاكي 2 : أن روحاً قد أنهال عليّ بالضرب وهو ينذرني ويتوعدني .
عمر بن عبد العزيز : " مهدئا الرجل الشاكي 2 " لا تخف .. " ثم أمراً تابعه " مزاحم أخرج إلى روح فأن سلم إلى الرجل الحوانيت فذاك وإلا فأتني برأسه .
مزاحم : أمرك يا مولاي .."يغادر المنظر ..."
" ظلام تام يغطي المكان الذي يقف فيه رجال بني أمية ، وينسحب عمر بن عبد العزيز نحو المنبر وبعد أن يرتقيه تتحرك جموع الناس نحوه ، ينظر إليهم مفكراً ثم يخطب فيهم "
عمر بن عبد العزيز : يا معشر المسلمين .. أن هذه الأمة لم تختلف في ربها ولا في نبيها ولا في كتابها وإنما اختلفت في الدينار والدرهم ، أني والله لا أعطي أحداً باطلاً ولا أمنع أحداً حقاً .. أيها الناس من أطاع الله وجبت طاعته ومن عصيّ الله فلا طاعة له ، أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم " يرتل من القرآن بصوت متهدج " والعصر أن الإنسان لفي خسر ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ، صدق الله العظيم " جلبة كبيرة في الخارج ، لتابعه " أسمع صوتاً يلح في الدخول ، أخرج يا مزاحم وأنظر ماذا يحدث هناك ..
مزاحم : أمرك يا مولاي . " يغادر المكان "
عمر بن عبد العزيز : " في أثره " بلغ الحاجب والحرس لا يمنع إنسان من الدخول على الخليفة ، ليدعوا الأبواب مفتوحة ، لقد ترك الولاة لي تركة ثقيلة وعلى عمر بن عبد العزيز أن يرد الحق إلى نصابه .
" يدخل الرجل الشاكي 3 :" هو رجل عجوز يتكأ على عصا ، عمر بن عبد العزيز ينظر إليه يفسح الناس له لكي يمر ويقف أمام الخليفة الذي يترك المنبر ويتقدم عدة خطوات نحو الرجل العجوز "
الرجل الشاكي 3 :السلام على أمير المؤمنين .
عمر بن عبد العزيز : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، ماذا تريد من الخليفة ..؟
الرجل الشاكي 3 : نصر الله بك العدل وردّ عنا بك الظلم ، أنا وافد قومي من الأعراب .
عمر بن عبد العزيز : وأنا أستمع منك .
الرجل الشاكي 3 : كانت هنالك أرض موات أحييناها وتعبنا في إصلاحها .
عمر بن عبد العزيز : وماذا بعد ..؟
الرجل الشاكي 3 : حتى استقام أمرها للزرع والإنبات فأخذها الوليد بن عبد الملك وأعطاها
لبعض أهله من بني مروان .
عمر بن عبد العزيز : وماذا تريد من الخليفة أن يفعل ..؟
الرجل الشاكي 3 : أن شاء أمر بردها إلينا ..
عمر بن عبد العزيز : أي والله .. البلاد بلاد الله والعباد عباد الله ، من أحيا أرض ميتة فهي له كما بلغنا ذلك عن رسول الله  .. " أمرا " .. يا مزاحم ..
مزاحم : مولاي ..
عمر بن العزيز : أنظر هذه الأرض فأنزعها ممن اغتصبوها وردها على أولئك الأعراب .
جموع الناس : " تهتف " يحيا العدل ..
الرجل الشاكي 3 : أبقاك الله نصيراً للمستضعفين .
" يقترب مزاحم من الخليفة : مولاي ..
عمر بن عبد العزيز : ماذا يا مزاحم ..؟
مزاحم : عنبسة بن سعيد بن العاص يطلب المثول .
 عمر بن عبد العزيز : ليدخل ..
عنبسة بن سعيد : " وهو يدخل ويقترب من الخليفة ويقف أمامه " السلام على أمير المؤمنين .
عمر بن عبد العزيز : وعليك السلام يا عنبسة ورحمة الله وبركاته .
عنبسة بن سعيد : الحمد لله والثناء عليه بما قيض لنا من يمن خلافتك ، وأن أمير المؤمنين سليمان كان قد أمر لي بعشرين ألف دينار ..
عمر بن عبد العزيز : نعم ..
عنبسة بن سعيد : وقد دارت الدواوين حتى انتهت إلى ديوان الختم فلم يبقى إلا قبضها فتوفى سليمان على ذلك وأنت يا أمير المؤمنين أولى باستتمام الصنيعة عندي .
عمر بن عبد العزيز : أنا أولى ..؟!!
عنبسة بن سعيد : نعم .. ما بيني وبينك أعظم مما كان بيني وبين أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك .
عمر بن عبد العزيز : " بدهشة كبيرة " كم ذلك يا عنبسة ..كم قلت ..؟
عنبسة بن سعيد : عشرون ألف دينار ..
عمر بن عبد العزيز : " مكررا" كم .. ..؟
عنبسة بن سعيد : " بصوت متضعضع كثيراً " عشرون ألف دينار ..
عمر بن عبد العزيز : " محتداً " يالله .. عشرون ألف دينار ..!!؟  أتعرف يا عنبسة ماذا تعني ..؟
عنبسة بن سعيد : ماذا تعني يا مولاي ..؟
عمر بن عبد العزيز : أنها أربعة آلاف بيت من بيوت المسلمين ، أأدفعها إلى رجل واحد ..؟
والله ليس إلى ذلك سبيل ..
عنبسة بن سعيد : يخرج من ملابسة رقعة جلد " هذا هو الصك الذي كتبه أمير المؤمنين سليمان ، أنظر إليه لعلك تصدق ذلك ..
عمر بن عبد العزيز : لا أحتاج إليه يا عنبسة .. خذه .. فلعله أن يأتيك من هو أجرأ مني على هذا المال فيأمر به .. أحتفظ به أن شئت ..
عنبسة بن سعيد : ولكن يا مولاي ..
عمر بن عبد العزيز : " مقاطعاً " هذا المال ليس مالي ، ولكنه مال الله ومال المسلمين فلا أضعه موضعاً إلا بحقه .
جموع الناس تهتف : نصر الله الخليفة ....
عنبسة بن سعيد : إذن صدق بنو أمية ..
عمر بن عبد العزيز : بماذا صدقوا ..؟
عنبسة بن سعيد : أنك قطعت العطايا عنهم  ، وأر زيت بهم ولم تقبل شفيعاً فيهم ، أنهم يستأذنونك أن يخرجوا عنك إلى البلدان وأنا معهم .. فهل تأذن ..؟
عمر بن عبد العزيز : " ببرود " حسناً يصنعون وتصنع يا عنبسة .. أن أحبكم إلينا هو من كفانا مئونته ..
عنبسة بن سعيد : " غاضباً " سنخرج .." يبتعد قليلاً عن الخليفة ليغادر المكان ، الخليفة صائحاً في أثره "
عمر بن عبد العزيز : يا عنبسة بن سعيد ..
عنبسة بن سعيد : نعم يا مولاي .
عمر بن عبد العزيز : أكثر من ذكر الموت .
عنبسة بن سعيد : لماذا ...؟
عمر بن عبد العزيز : أنك أن كنت في ضيق من العيش وسعه عليك وأن كنت في سعة ضيقها عليك .
" عنبسة بن سعيد يغادر المكان مهزوماً ، جموع الناس تدور حول الخليفة وهي تهتف :
جموع الناس : يحيا العدل ..... " تحيط به من كل جانب كما لو كانت تلك الجموع هي دائرة الآمان ، ظلام مؤقت "
6-  بيت هشام بن عبد الملك .
جارية ترقص على أنغام ، وأخرى توزع الشراب على ضيوف هشام بن عبد الملك من الأمويين من بينهم عنبسة بن سعيد والعباس بن الوليد وروح بن الوليد بن عبد الملك .
عنبسة بن سعيد : " وهو يحتسي الخمر يبدو متألما ً يسحب زفرات طويلة "
 عنبسة : هذا كل الذي جرى بيني وبين بن عبد العزيز .
هشام بن عبد الملك : " بحنق وغضب كبيرين " هكذا إذن .. أفقدنا الجاه والمال وأبعدنا عن السلطة وجعل الناس يتندرون علينا في الأسواق والطرقات كما نزع عنا العطايا والأملاك ، ماذا يريد منا أبن عبد العزيز هذا ...؟!
عنبسة بن سعيد : أهو الجنون يا هشام ..؟
هشام بن عبد الملك : كلا ، لقد أوغل كثيراً في عداء بني أمية .
عنبسة بن سعيد : " الجارية الراقصة تدور بالقرب منهما " ولكن ليس بني أمية وحدهم .. أنه يفعل ذلك مع جميع المسلمين .
هشام بن عبد الملك : ومن يا ترى يملك غير بني أمية " الجارية الراقصة تبتعد عنهما " من يملك يا عنبسة ..؟ الخليفة ينكر علينا المال والملك وقد ضحينا من أجله بالدماء السخية وتحمل آباؤنا وأجدادنا ما تحملوا من عناء ..
عنبسة بن سعيد : " يخرج رقعة الجلد ويعرضها أمام أنظار هشام بن عبد الملك " كيف أقبض قيمة هذا الصك يا هشام ..؟
هشام بن عبد الملك :القضية ليست في هذا الصك ، بل كيف نطمئن إلى الأيام الباقية من حياتنا ، إنها كارثة كبيرة قد حلت بنا .
عنبسة بن سعيد : وماذا نفعل يا هشام بن عبد الملك ..؟
هشام بن عبد الملك : يجب أن ندبر أمراً نرفع فيه حد السيف عن رقابنا ..
عنبسة بن سعيد :هذا هو الرأي السليم والتدبير الحكيم .." الراقصة الجارية تدور بالقرب منهما مرة أخرى "
هشام بن عبد الملك : " وقد أفرغ كأسه في جوفه ينظر إلى وجه عنبسة بتأكيد حاسم " إما أن يظل بن عبد العزيز يلحق بنا الأذى والمهانة .. أو يتوارى ..
" تدور الجارية الراقصة دورة سريعة ويتصاعد معها الصخب والضحكات من الرجال –
ظلام ثم فيض من الضوء على مكان آخر "
7-  مجلس الخليفة عمر بن عبد العزيز .
عدد من الشعراء وقد تجمعوا أمام باب كوخ الخليفة عمر بن عبد العزيز ، يتدافعون للدخول من باب الكوخ لكن مزاحم الذي يمسك بسيفه يمنعهم ، لكنهم يطلبون المثول بين يدي الخليفة "
الشاعر 1: أنا أقول قصيدتي أولاً ..
الشاعر 2 : كلا ، أنا الذي يجب أن يقول قصيدته أولاً ..
الشاعر 3 : الخليفة يريد أن يسمع آخر قصائدي .
الشاعر 4 : نحن شعراء الدولة الأموية
الشاعر 5 : نريد المثول بين يدي الخليفة .
الشاعر 6 : نظمت قصيدة عن الخليفة وجئت أسعى لكي يسمعها .
" مزاحم وهو يدفعهم بعيداً عن باب الكوخ "
مزاحم : لن تدخلوا حتى يأذن لكم .
الشاعر 1 : إلى متى ننتظر ..؟
مزاحم : الخليفة يرتل القرآن الآن .
الشاعر نصيب : " منفردا وهو يقترب من باب الكوخ ومرتجزاً قصيدته بصوت يقصد من خلاله إيصاله إلى الخليفة "
الشاعر نصيب : " مرتجزاً "
الحمد لله أما بعد يا عمر ...
                              فقد أتتنا بك الحاجات والقدر ....
  فأنت رأس قريش وأبن سيدها ...
                             والرأس فيه يكون السمع والبصر...
" الخليفة عمر بن عبد العزيز يظهر من باب الكوخ يتراجع الشعراء ، ينظر إليهم متأملاً ثم يسأل تابعه مزاحم "
عمر بن عبد العزيز : من هؤلاء ..؟
مزاحم : يقولون عن أنفسهم أنهم شعراء الدولة الأموية .
عمر بن عبد العزيز : كل هؤلاء شعراء ...؟!
الشاعر نصيب : " ينشد من جديد مطلع قصيدته " الحمد لله أما بعد يا عمر .
عمر بن عبد العزيز : " يطلب منه السكوت بحركة من يده " ألست القائل يانصيب ..
     أهيم بد عد ما حييت فأن مت ...
 
                       فوا كبدي من ذا يهيم بها بعدي ...
الشاعر نصيب : نعم يا مولاي ..
عمر بن عبد العزيز : أيحزنك أيها الماجن إلا تجد من يحبها بعدك ..؟
الشاعر نصيب : لقد تبت من قول ذلك الشعر .
عمر بن عبد العزيز : " يستعرض الشعراء الذين ينكمشون من الخوف " كان على الشعراء أن يدونوا مجد الأمة ومواقف التاريخ الذي صنعه الإسلام ، أني أراكم تركضون في ملذات النفس وتتردون في مناقع الرذيلة .
" يقتحم المكان أيمن بن عبدا لله شاكياً وهو يصيح "
أيمن بن عبد الله : لي ظلامه يا أمير المؤمنين .
مزاحم : " يحاول أن يصده " أبتعد من هنا ..
عمر بن عبد العزيز : " وهو يتابع إصرار أيمن بن عبد الله في الوصول إليه " تمهل يا مزاحم .
مزاحم : أمرك يا مولاي ..
عمر بن عبد العزيز : دعه يقترب .. " ايمن يقترب من الخليفة " ما هي ظلامتك ..؟
أيمن بن عبد الله : جئتك شاكياً من الشاعر الأحوص ..
عمر بن عبد العزيز : وماذا فعل لك الأحوص ..؟
" الشاعر الأحوص يريد الهرب من بين جموع الشعراء ينتبه لذلك الخليفة "
عمر بن عبد العزيز : " للشاعر الأحوص " قف مكانك أني أعرفك ، أنت الأحوص .
أيمن بن عبد الله : نعم هو الأحوص يا مولاي .
عمر بن عبد العزيز : وماذا فعل الأحوص ..؟
أيمن بن عبد الله : قال شعراً بذيئاً في حق أختي أم جعفر جعلني لا أستطيع أن أرفع رأسي أمام الناس .
عمر بن عبد العزيز : " بغضب " إلا لعنة الله على هؤلاء الماجنين الذين استمرءوا مطاعم الأغنياء وعطايا الخلفاء من قبلي في إفاضة وإسراف وشغلوا الناس بمجونهم وقصائدهم عن المعاني وفضائل الأمور .. " لأيمن بن عبد الله " أتستطيع أن تبطش به إذا تجالدت معه ونازلته ..؟
أيمن بن عبد الله : نعم أستطيع أن أمزقه أرباً أرباً فأعطني الأذن يا مولاي .
عمر بن عبد العزيز : أخرج يا أحوص  إلى خصمك وقف إلى جواره .
" الشاعر الأحوص كالمرعوب يخرج من بين صفوف الشعراء ويقف مكرهاً إلى جوار خصمه أيمن بن عبد الله ، يتكاثر توافد الناس حتى يتحول المكان إلى حلبة دائرية  "
عمر بن عبد العزيز : " ينظر إلى وجوه الناس " أسمعوا يا قوم ، لقد بلغني أن الخليفة عثمان بن عفان ، لما تهاجى سالم بن داره ومرة بن واقع ، ربطهما في حبل ودفع إليهما سوطين ليتجالدا ، وأني آخذ معكما بسنة عثمان بن عفان ، يا مزاحم .
مزاحم : نعم يا مولاي ..
عمر بن عبد العزيز : أجمع بين الأحوص وأيمن ليتجالدا والله خير الحاكمين .
مزاحم : أمرك يا مولاي . " مزاحم يصرخ في الناس " تراجعوا .. ابتعدوا .. تراجعوا إلى الخلف ..
أصوات الناس : يحيا العدل ..
 " الأحوص وأيمن داخل الحلقة "
امرأة من بين الناس : لقد عاد الفاروق ..!
مزاحم : ليجلد صاحب الحق رمز الباطل ..
 " الأحوص وأيمن وقد ربطا بحبل  كل منهما  جسمه نصف عاري وبيد كل منهما سوطاً ، أيمن يبدأ الجولة بجلد خصمه وهو يصرخ "
أيمن : ليخزك الله يا كذاب ..
يستمر الصراع داخل الحلقة بينهما .. الجموع تحجب رؤية الخليفة ،  أصوات الجموع تتصاعد بهتاف  " يحيا العدل  " ..
                                     - ستار-

0 التعليقات:

إرسال تعليق